الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "حماة الديار" الذي لسوريا 

"حماة الديار" الذي لسوريا 

03.08.2021
صبحي حديدي


القدس العربي 
الاثنين 2/8/2021 
"يحيي السوريون اليوم الذكرى السادسة والسبعين لتأسيس الجيش العربي السوري، المدافع الأوحد عن أرضهم وكرامتهم واستقلالهم طيلة عقود لم تهدأ فيها العواصف والمؤامرات، وطعنات القريب والبعيد، فكان الذخيرة التي حمت البلاد وأهلها"؛ هكذا كتبت صحيفة "الوطن" جريدة رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، وتمساح النهب والفساد والإفساد، وصيرفي النظام إلى عهد قريب. وجاء أيضاً: "على طول الجبهة الممتدة من الجنوب حيث العدو الإسرائيلي المتربص والداعم لما تبقى من خلاياه هناك، إلى الشمال حيث المحتل التركي الحالم باستعادة العثمانية البائدة، إلى شرق البلاد وما يخطط له المحتل الأمريكي بمساعدة من أدوات انفصالية وإرهابية، يستكمل الجيش مهمته الوطنية، لتتحرك وحداته حيث تقتضي مصلحة البلاد، وتنجز مهمتها باستعادة الدولة لسلطتها وفقاً للتوقيت المناسب لها". 
وأغلب الظنّ أنّ المواطن السوري، من غير أتباع النظام على اختلاف مشاربهم ومصالحهم وطبائع انضوائهم في شبكات السلطة، لم يعد يعبأ حتى بالاستلقاء على ظهره ضحكاً وهو يقرأ هذا الطراز من الابتذال الهابط والتكاذب الفاقع والمخادعة الوقحة؛ مستذكراً، بين عناصر أخرى كثيرة، المواقع الوحيدة في إدلب ودرعا حيث يتشاطر جيش النظام على العزّل واللاجئين والمهجّرين من أبناء سوريا، ومتابعاً لأخبار القصف الإسرائيلي على مطار الضبعة، وقبله عشرات الاعتداءات التي تستهدف مواقع عسكرية للنظام أو لحلفائه من الميليشيات المختلفة، هنا وهناك في عمق الأراضي السورية. 
 
لافت أنّ النشيد ذاته صمد في الوجدان السوري بدرجات عالية ملحوظة، لم يغب عنها حرص السوريين على التمييز بين قِيَم النصّ الوطنية والتاريخية والشعرية والفنية، وبين فصل هذه القيم عن جيش النظام وتنزيهه عن أن يكون نشيداً لميليشيات الـ"خاين يللي بيقتل شعبه" 
 
وتعبير "الجيش العربي السوري" سقط منذ عقود، طيلة معظم سنوات حكم "حزب البعث" لكن بصفة خاصة على امتداد 41 سنة من سلطة آل الأسد، الأب ووريثه الابن، قبل أن يُشيّع التعبير نهائياً إلى سلال مهملات التاريخ مع استدارة الكثير من قطعات هذا الجيش بعيداً عن الجبهة مع الاحتلال الإسرائيلي ونحو محافظات درعا وريف دمشق وحمص وحماة واللاذقية ودير الزور وسواها؛ ومع زجّ الفرقة الرابعة، التي قودها ماهر الأسد شقيق رأس النظام، وذات التسليح الاستثنائي والامتيازات العالية والتركيب الطائفي، في أولى حروب النظام ضدّ مدينة درعا، آذار (مارس) 2011. وليست، البتة، مفارقة صارخة أنّ هذه الفرقة تخوض اليوم أيضاً أشرس المعارك ضدّ أهل درعا وحوران عموماً، وتفرض واحداً من أقذر أنساق الحصار والقصف والتنكيل، وأن يتسرّب فيديو لأحد ضباط هذه الفرقة يخاطب جنوده هكذا: "إلنا عالم ماتت هون، جايين لناخد بتارنا، جايين لنمسح بكرامتهن الأرض". 
وإذْ سقط تعبير "الجيش العربي السوري" فإنّ البديل الأنسب كان "جيش النظام" إذا شاء المنحاز إلى هذا التوصيف أن يقصد البنية السياسية والأمنية والطائفية للجيش المعني؛ أو تعبير "جيش أبو شحاطة" إذا شاء القائل الإشارة إلى المستويات القتالية والتدريبية والمعنوية التي باتت صبغة وحداته القليلة ذات المهامّ العسكرية المهنية. ولطالب الاستزادة أن يسرد سلسلة معطيات عن جيش النظام، باتت مرادفة له ولصيقة به وكلاسيكية على أكثر من نحو: أنه، بالرغم من تبدلات شكلية اقتضتها تقلبات أحوال النظام، أقرب إلى ميليشيات تتابع تقاليد ومواضعات أربعة تشكيلات مركزية ("سرايا الدفاع" "الوحدات الخاصة" "الفرقة الرابعة" "الحرس الجمهوري") بدأ بها الأسد الأب وتوارثها الأسد الابن، واحتفظ بعضها باسمه الأصلي أو حاز اسماً آخر؛ من دون أن يتبدل جوهر الوظائف أو تتغير في العمق معطيات البنية والتركيب. 
ولأنّ النشيد الوطني السوري "حماة الديار" اقترن تاريخياً بالصورة الأولى للجيش الوطني بعد الاستقلال، وحتى خلال فترة الانقلابات ما قبل استيلاء "البعث" على السلطة في سنة 1963؛ فقد توجّب أن يجد بعض نشطاء انتفاضة 2011 أنّ الواجب يقتضي مراجعة النصّ؛ في ضوء الجرائم التي انساق إليها جيش النظام، وبلغت مستوى المجازر والتصفيات الجماعية. وهكذا قدّمت "فرقة المندسين" نسخة من النشيد تعتمد اللحن ذاته، الذي كان قد وضعه اللبناني محمد فليفل؛ مع تبديل في بعض عبارات الأبيات الأصلية/ التي كتبها الشاعر والسياسي السوري خليل مردم بك. ففي الأصل تقول القصيدة: 
"حماة الديار عليك سلام/ أبت أن تذلّ النفوس الكرام 
عرين العروبة بيت حرام/ وعرش الشموس حمىً لا يُضام 
ربوع الشآم بروج العلا/ تحاكي السماء بعالي السنا"؛ 
فصارت: 
"حماة الديار عليكم سلام/ الشعب يريد إسقاط النظام 
دم الشرفاء عليكم حرام/ فهبّوا لنصرة شعب يُضام 
ربوع الشآم تعاني الأسى/ وتشكو إلى الله ظلماً قسا"… 
لافت، مع ذلك، أنّ النشيد ذاته صمد في الوجدان السوري بدرجات عالية ملحوظة، لم يغب عنها حرص السوريين على التمييز بين قِيَم النصّ الوطنية والتاريخية والشعرية والفنية، وبين فصل هذه القيم عن جيش النظام وتنزيهه عن أن يكون نشيداً لميليشيات الـ"خاين يللي بيقتل شعبه". وحين تعالت أصوات تطالب باستبدال النشيد، على غرار استبدال علم النظام، ساجلت هذه السطور ضدّ المسعى لأنّ النشيد الوطني لأية أمّة هو أيقونة راسخة في الوجدان الشعبي، على نحو قد يبلغ من التجريد مقداراً يستعصي تماماً على أيّة إمكانية لإدخال تبديلات أو تعديلات، وإنْ طفيفة شكلية، أو تجميلية تطويرية، على الأصل. 
وبهذا، قد يكون أحد أفضل الردود على تخرصات صحيفة "الوطن" هو إنشاد "حماة الديار" النشيد اللائق بشعبها وبجيشها الوطني الآتي، طال الزمان أم قصر!